recent
أخبار ساخنة

القضاء و القدر


القضاء والقدر سَبَق علم الله ومشيئته كلّ شيء، فهو الوحيد المُطّلع على خفايا الأمور والمُتحكّم فيها، وقد جعل الله الإيمان بما قدَّر وقضى أصلاً من أصول الإيمان؛ وذلك لما يعتري هذه المسألة من أهميّةٍ فائقة تُؤثّر في صحّة الاعتقاد، وبالتّالي قبوله أو عدم قبوله، فإنّ المُسلم إن آمن وسلَّم بما أصابه من خيرٍ أو شرّ فقد آمن حقّاً بقدرة خالقه وتصرّفه في كلّ شيء، أمّا إن جحد وكفر وتململ فقد أساء مع خالقه وأدخل في إيمانه الوهن والضّعف

معنى القضاء والقدر

 معنى القضاء للقضاء في اللّغة عدّة معانٍ، منها:
 الحُكم: 
لذلك يقولون: القاضي؛ بمعنى الحاكم، وقضى الله عز وجل بكذا: حكم به. أَمَر: قال تعالى: (وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه)،
 ومعنى قوله (قضى) في هذه الآية: أنّه تعالى أمر ألا تعبدوا إلا إيّاه. أخبر: قال الله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ)، بمعنى أخبرناه أن دابرهم مقطوع بالصّباح، وقال تعالى: (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتُفسِدُنّ في الأرض مرّتين ولتَعلُنَّ علوّاً كبيراً)، أي أخبرناهم بذلك.
 أراد: وهو قريب من معنى (حَكَمَ)، قال الله تعالى: (إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون)، ومعنى ذلك حكم بأن يكون فيكون في الحال، معنى القدر من معاني القدر في اللّغة التّرتيب والحدّ الذي ينتهي إليه الشّيء، نقول قدَّرتُ البناء تقديراً إذا رتَّبتُه وحددّتُه، وقال تعالى (وقدَّر فيها أقواتها)، أي رتَّب أقواتها وحدّدها، وقال تعالى: (إنّا كل شيء خلقناه بقَدَر)، المقصود من قوله تعالى هنا أنّ كل شيءٍ خُلِقَ بترتيبٍ وحَد، فمعنى قضى وقدَّر: حكم ورتَّب.
 معنى القضاء والقدر القضاء والقدر
 هو حكم الله تعالى في أمرٍ ما بمدحه أو ذمِّه وبكونه وترتيبه على صفة مُعيّنة وإلى وقت مُعيّن فقط،
 وقيل: هو ما قدَّرَه الله تعالى وقضاه على العالمين في علمه الأزليّ ممّا لا يملكون صرفه عنهم، وهذه العقيدة جاء بها جميع الرّسل وأقرَّتها جميع الرّسالات الإلهيّة، وليست خاصةً بالمسلمين وحدهم.
 الفرق بين القضاء والقدر
 كثيراً ما يتبادر للأسماع عند المصائب والكوارث، وربّما الأحزان ونادراً عن الأفراح، مصطلح القضاء والقدر، فلماذا يُقرَن القضاء والقدر غالباً بالشّر؟ وهل هناك فرقٌ جليٌّ بين القدر والقضاء؟ وكيف يكون الإيمان بالقضاء والقدر؟ علاقة القضاء والقدر بالشَّر ينبغي على المُؤمن أن يُدرك يقيناً أنّ القضاء والقدر لا علاقة له بالشرّ والكوارث؛ فقضاء الله تعالى وقدره لا يحملان الشرّ للإنسان حتّى وإن أصابه الضّرر من قضاء الله وقدره؛ لأنّ كل ضررٍ ربما يلحق بالمرء من مُتعلّقات القضاء والقدر لا يجوز أن يُسمّى شرّاً إلا على سبيل المَجاز في الاستعمال اللغويّ فحسب، حيث قضاء الله كلَّه خير، فالله سبحانه وتعالى بحكمته وقضاءه وتقديره وعلمه الأزليّ يضع كلّ شيءٍ في موضعه المُناسب، ويكون ذلك من قبيل الحكمة الإلهيّة، عَلِم ذلك من عَلِمَه، وجَهِل من جَهِله.
 الفرق بين القضاء والقدر
 اختلفت أقوال العلماء في الفرق بين القضاء والقدر وكثرت الآراء في ذلك؛ فقد قال بعضهم بأنّه لا يوجد فرق بين الاثنين؛ إنّما هما لفظتان لمُصطلحٍ واحد، وأنّ معنى القضاء موجودٌ في معنى القدر، أمّا الفريق الآخر فقد قالوا بأنّه يوجد اختلافٌ في المعنين، 
وفيما يأتي بيانٌ للأقوال والأدلة
ذهب فريقٌ من العلماء، منهم الرّاغب الأصفهانيّ، إلى أنَّ القضاء أخصُّ من القدر؛ لأنّ القضاء هو الفصل بين التّقدير، فالقدر هو التّقدير، والقضاء هو الفصل بأمرٍ مُعيّن ثم القطع فيه، وقد ذكر بعض العلماء أنّ القدر بمنزلة الشّيء المُعَدِّ للوزن، أمّا القضاء فهو بمنزلة الوزن نفسه، ومن ذلك ما قاله أبو عبيدة عامر بن الجراح لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- لمّا أراد عمر الفرار من الطّاعون بالشّام: (أتفرُّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله)؛ وفي ذلك إشارةٌ وتنبيهٌ إلى أنّ القدر ما لم يكن قضاءً فمن المرجوّ أن يدفعه الله، أمّا إذا قضى الله فلا دافع لقضائه، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).

 ذهب الفريق الثّاني إلى أنّ القضاء والقدر بمنزلةٍ واحدة، ويقول الخطابيّ في الفرق بينهما: (جماع القول في باب القضاء والقدر أنّهما مُتلاصقان لا انفكاك لأحدهما عن الآخر؛ لأن كل واحدٍ منهما بمنزلة الأساس وأحدهما بمنزلة البناء، فمن أراد الفصل بينهما فقد سعى إلى هدم البناء ونقضه)، ويرى الجرجانيّ أنّ القدر عبارةٌ عن خروج المُمكنات من العدم إلى الوجود واحداً بعد واحد مُطابقاً للقضاء، وأنّ القضاء يكون في الأزل، والقدر يكون فيما لا يزال، والفرق بين القدر والقضاء هو أنّ القضاء وجود جميع الأشياء والأعمال والأقوال في اللّوح المحفوظ مُجتمعةً، أمّا القدر فهو وجودها مُتفرّقةً في الوقائع والحوادث بعد حصول مُسبّباتها.

 ذكر فريقٌ من العلماء، كما ينقل ابن حجر العسقلانيّ، أنّ القضاء هو الحكم الكُليّ الإجماليّ في الأزل، وأنّ القدر هو جُزئيات ذلك الحكم وتفاصيله. يرى بعض العلماء أنّ القدر هو تقدير الشّيء قبل قضائه، وأنّ القضاء هو الفراغ من الشّيء وإتمامه وفق ما قُدِّر له وبه. وقد استشهد أصحاب هذا الرّأي للتّفريق بين القضاء والقدر بأنّ شبّهوا القدر بالثّوب؛ فالقدر يكون بمنزلة تقدير الخيّاط للثّوب، فهو قبل أن ينسجه ويُفصّله على مقاس صاحبه فإنّه يُقدّره، فإمّا أن يزيد أو أن ينقص، فإذا فصّله فقد قضاه وفرغ من تقديره وفاته وقت التّقدير، وبذلك يكون القدر أسبق من القضاء.

google-playkhamsatmostaqltradent